[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] |
| شادية... قمر لا يغيب (1) البراءة وخفة الظلّ أدخلاها قلوب الجماهير القاهرة - ماهر زهدي عندما تقف مندهشاً أمام شخص ما، متأملاً في ما حباه الله به من ملكات خاصة، تجد نفسك تتساءل: ما السرّ وراء ذلك؟ وهل يمكن أن تجتمع هذه الملكات كافة في شخص واحد؟! مؤكّد، أن ثمة خلطة سرية من الصعب أن تصل إلى مكوناتها.«فتوش» (اللفظ التركي لاسم «فاطمة») واحدة من هؤلاء البشر الذين وضع الله سبحانه وتعالى في داخلهم تلك «الخلطة السرية» التي لم تكمن في تفوّقها وتألقها وذكائها ومواهبها المتعددة فحسب، بل هي خلطة تشمل الجسد والروح والعقل والشكل معاً، فضلاً عن خفة الدم وسرعة البديهة والقبول، بالإضافة الى الإحساس وتفعيل كل الحواس، وقبل ذلك كله إرادة الله وتوفيقه.لم تكن فاطمة أحمد كمال الدين شاكر، تدرك أن الله وضع في داخلها تلك الخلطة، عندما بدأت في سنوات طفولتها الأولى تلفت الأهل والأقارب، بل الأكثر دهشة أنها ربما لم تدرك هي نفسها سرّ هذه الخلطة في ما بعد، بل وربما حتى الآن، أمد الله في عمرها، ولا كيف تحقّقت نتائجها عليها بهذا الشكل المذهل!وعلى رغم ذلك كله لم يكن ثمة شيء غير عادي ينبئ بطفلة غير عادية، إذ لم تكن المولود الأول لوالدها، ولم يكن الجمال مقتصراً عليها في العائلة، مع أن أصل أمها التركي كان واضحاً في ملامحها، وكذلك خفة الدم التي كانت متأصّلة في الأب أحمد كمال الدين شاكر، مهندس الزراعة في الخاصة الملكية آنذاك، وورثها أيضاً أخوتها طاهر ومحمد وسعاد وعفاف. لم تلحظ الأسرة أن الصغيرة «فتوش» آخر العنقود ستكون هي العلامة الفارقة في تاريخها وفي تاريخ الفن المصري والعربي أيضاً.جواز المرورعندما طرقت شادية أبواب الفن، سواء الغناء أو التمثيل، لم تعتمد على وجهها الجميل أو أنوثتها الطاغية، كأول ما قد يلفت نظر المتلقي إليها، بل اعتمدت على البراءة وخفة الظل وشقاوة الأطفال والتلقائية الهادئة. لم تكن هذه المؤهلات مجرد جواز مرور سرعان ما تخلّت عنه شاديا بعد امتلاك أدواتها كفنانة، بل لازمتها طوال رحلتها، إذ إن خبرتها جعلتها تدعم ذلك كلّه بدقة اختياراتها في ما بعد، سواء بكلمات أغانيها، أو بنوعية أدوارها على الشاشة، وما يتلاءم مع كل مرحلة من مراحل حياتها الفنية، الأمر الذي جعلها تبدو مختلفة عن كل زميلاتها اللاتي سبقنها أو عاصرنها، أو حتى من أتين بعدها، لذلك تميّزت وشكّلت لنفسها حضوراً خاصاً لا يشبه أحداً.استطاعت شاديا أن تصنع، ببساطتها وتلقائيتها ومن دون بهرجة أو افتعال، نجومية متوهّجة، وأن تكون نجمة محبوبة ومتوّجة على قلوب الجميع في مراحل حياتها الفنية كافة، فعلت ما لم يستطع غيرها فعله على رغم مساندة الكبار له، وسارت في مسيرتها الفنية ورحلتها الطويلة مع الفن من دون الاعتماد على أحد سوى عبقريتها الكامنة داخل هذا الجسد النحيل، ترعاها دعوات أمها التي كانت بارة بها حتى اللحظات الأخيرة، وعين الله الذي يعلم ما في داخل الإنسان ونواياه.استطاعت شاديا تقديم ألوان غنائية وأدوار سينمائية عدة لم تستطع تقديمها نجمة في وزن كوكب الشرق أم كلثوم، أو نجم ذو جماهيرية ضخمة مثل عبد الحليم حافظ، وبغزارة لم ولن تقدر على مضاهاتها أية فنانة أخرى من جيلها أو الأجيال اللاحقة عليها، فقد قدمت «الدلوعة، المراهقة، الناضجة، الزوجة، الحبيبة، الطبيبة، التلميذة، الأستاذة، الخادمة، المتمردة.. والبرنسيسة»، وفي الغناء سمعناها في الأغنية الخفيفة التي تتراقص معها الطيور، وفي المونولوج والديالوج، وفي الغناء الوطني والعاطفي والديني، وفي الأغنية الطويلة والقصيرة بل إنها جازفت وخلقت مرحلة غنائية جديدة بغنائها أغاني «الفورم» بداية من «آه يا أسمراني اللون وغاب القمر يا ابن عمي، وقولوا لعين الشمس، وخدني معاك» وغيرها.المطربة الممثّلةتضافرت بداية شادية كمطربة مع بدايتها كممثلة لتصنع تلك الصورة التي لا تزال تعيش في أذهان الناس ووجدانهم حتى الآن، صورة الدلوعة الشقية، في الطريق اتيي رسمها لها في البداية الفنان محمد فوزي في فيلم «العقل في إجازة» عام 1947 وتابعها الفنان منير مراد بخفة دم ألحانه وشقاوتها، ثم أكملها ملحنون كثر عملت معهم شاديا لاحقاً عبر رحلتها الفنية الطويلة.سعت شادية عبر تاريخها إلى كل ما هو جديد، والأهم أنها لم تتعامل مع الجديد باعتباره موضة، ولكن بإصرار على أن تسبق عصرها به، لدرجة أنها قدمت في العام 1968 فيلماً يابانياً بعنوان «جريمة على ضفاف النيل» تقاسمت بطولته مع الممثل الياباني المشهور آنذاك يوشيرو ايشيهارا، وأخرجه ناجاجا وايوشي.شاديا الفنانة الوحيدة تقريباً التي عملت مع أكبر عدد من نجوم السينما المصرية والعربية ونجماتها، بل ومع أكبر عدد من المخرجين، على امتداد مشوارها، فضلاً عن النجوم الذين كوّنت معهم ثنائيات فنية، وأبرزهم الفنان كمال الشناوي الذي قدّمت معه ما يقرب من 30 فيلماً، وصلاح ذو الفقار في أفلام ربما أشهرها «عيون سهرانة» قبل زواجهما... وأثناءه قدّما معاً أربعة أفلام هي: «أغلى من حياتي، مراتي مدير عام، عفريت مراتي، وكرامة زوجتي»، وغيرها من الأفلام. كذلك، عملت مع محسن سرحان، عماد حمدي، شكري سرحان، رشدي أباظة، يحيى شاهين، محمود مرسي، فريد شوقي، حسن يوسف، عمر الشريف، أحمد مظهر، أنور وجدي، ومع إسماعيل ياسين وشكوكو اللذين شاركاها بطولة عدد كبير من الأفلام، ومع مطربين كثر مثل محمد فوزي الذي كان له فضل كبير في تقديمها سينمائياً وغنائياً، وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ الذي قدّمت معه ثلاثة أفلام هي «لحن الوفاء»، {دليلة»، و{معبودة الجماهير»، ومع كارم محمود «معلش يا زهر»، ومع النجوم العرب أمثال القدير الراحل نهاد قلعي والنجم الكبير دريد لحام في فيلم «خياط السيدات»، ومن النجمات عملت فاتن حمامة مع مريم فخر الدين، ماجدة، هند رستم، ليلى طاهر، مديحه يسري، ليلى فوزي، سعاد حسني، نادية الجندي، سهير رمزي، ميرفت أمين، يسرا، إلهام شاهين، حياة قنديل، زهرة العلا، شويكار، لبنى عبد العزيز، سميحة أيوب، سناء جميل، وسهير البابلي، ومع الفنانات الكبيرات زينات صدقي، أمينة رزق، وفردوس محمد، في أدوار الأم لها، وعبد الوارث عسر وحسين رياض وسراج منير وسليمان نجيب، في أدوار الأب لها.هكذا، تكون شاديا قد شاركت أكبر عدد من فناني وفنانات مصر والعرب قديماً وحديثاً من دون شروط أو قيود، أو كلمات من تلك التي نسمع عنها مثل «البطولة المطلقة» أو ترتيب الأسماء، أو كبرياء وعظمة النجوم، على رغم أنها تستحق كل كلمة وكل لقب من هذه الألقاب وبجدارة.كانت تكفيها نجومية واحدة، نجومية التمثيل، أو نجومية الغناء، أو النجومية الأكبر التي اكتسبتها بمرور الوقت، نجوميتها في قلوب أهلها والمحيطين بها كإنسانة، لكن الأخيرة ما كان لتأخذ حجمها من التأثير من دون واحدة من النجوميّتين الأوليين، ما يؤكد أنها جمعت النجومية من جميع أطرافها لتكون في النهاية شادية الفريدة في كل شيء، أو «فتوش» بكل شقاوتها ودلعها وخفة دمها.ابنة الحلمية الجديدةولدت «فتوش» أو فاطمة أحمد شاكر في 8 فبراير (شباط) عام 1931 في منطقة متاخمة لحي السيدة زينب، بالقرب من بركة الفيل ومحكمة نور الظلام، وبجوار أحياء مصرية قديمة عدة كانت بمثابة مصنع لتاريخ طويل، مثل أحياء السيدة زينب والقلعة والحسين والأزهر وعابدين وشارع محمد علي وباب الخلق.. ويتوسّطها حي الحلمية الجديدة الذي شهد مولد شاديا.تعود تسمية هذا الحي باسم «الحلمية» إلى الخديوي عباس باشا حلمي الذي شيّد «سرايا الحلمية» في نفس مكان بيت «إبراهيم بك» وبيت ابنه مرزوق، المقتول في مذبحة القَلْعَة عام 1811، وبيوت أخرى لأمراء سابقين، وشملت «سراي الحلمية» هذه المساحة كلها، وفي العام 1850 صدر تكليف من عباس باشا إلى علي باشا مبارك بتصميم ميدان وإسطبل و{عربخانة»، خاصة بعربات الخيل، و{قراقول»، قسم بوليس، وسجن ملحقين بهذا القصر، فاشترى أماكن عدة حتى امتدت مباني السراي وملحقاتها إلى قُبّة المظفر.كانت حدائق هذه السراي، كما حددتها خريطة «غراند بك» التي رُسمت لمدينة القاهرة في العام 1874، تمتد حتى شارع محمد علي شمالاً، وحدائق سراي «دَرْب الجمّاميز» التي كانت على الخليج المصري وغرباً. كانت تحيط مبنى القصر حدائق من جهاته الثلاث، الشمالية والجنوبية والغربية، بالإضافة الى حديقة أخرى في وسطه.كان مبنى القصر يقع شمال غرب قصر علي باشا مبارك وشمال قصر الأمير أحمد باشا طلعت، وقد آلت هذه السراي بعد وفاة عباس باشا حلمي الأول إلى حفيدته أمنية هانم بنت إلهامي باشا بن عباس باشا حلمي، وهي زوجة الخديوي توفيق ووالدة الخديوي عباس حلمي الثاني والتي كانت تعرف بـ «أم المحسنين».نُسبت المنطقة إلى عباس باشا حلمي بعد أن بنى فيها قصره وجعل أِمامه ميداناً عُرف «بميدان الحلمية» امتدّ إلى قُبّة المظفر. وفي 30 يناير (كانون الثاني) عام 1851 صدر قرار بتسمية تلك المنطقة باسم «الحلمية»، وفي أوائل القرن العشرين هُدمت سراي الحلمية وخطّطت حدائقها إلى شوارع وقطع وبيعت، فعُرف هذا التخطيط باسم «الحلمية الجديدة»، وكانت الحاشية الخديوية والمقرّبون من سرايا الخديوي أول من بادر بشراء هذه الأراضي وبناء البيوت عليها، ما بين فلل وقصور صغيرة.كان مهندسو الري والزراعة آنذاك من صفوة المجتمع، لما لهم من أهمية كبرى للإشراف على ري الأراضي الزراعية، خصوصاً أراضي الخاصة الخديوية، ثم أراضي الخاصة الملكية، التي كانت تمتد بطول البلاد وعرضها، وكان يعد مِن المحظوظين مَن يكلَّف بالإشراف على تلك الأراضي، غير أن أكثر ما كان يعيبهم هو عدم الاستقرار في مكان واحد طوال الوقت، فكان يتم تنقلهم من مديرية إلى أخرى، ومن قرية إلى أخرى، تارةً في الشمال، وطوراً في أقاصي الصعيد، وأحياناً أخرى في الغرب أو الشرق. ويعود ذلك إلى براعة المهندس وقدراته ومكانته.«الباش مهندس»كان والد شاديا المهندس أحمد كمال الدين شاكر، أو كما كان يُطلق عليه «الباش مهندس» أحد هؤلاء المهمّين من مهندسي الزراعة والري، بل وإن جاز التعبير أحد «المحظوظين» بالإشراف على أراضي الخاصة الملكية، حيث كان عمله آنذاك، أي في بدايات القرن العشرين، يستدعي وجوده في قلب العاصمة المصرية القاهرة، وعلى بعد خطوات من قصر عابدين وفي بيت «الحلمية الجديدة» شعرت الأم بجنين يتحرّك في أحشائها، وعلى غير عادة ذلك الوقت تمنت أن يكون مولودها الجديد بنتاً وليس ذكراً، على رغم أنه كان للزوجين أولاد آخرون: بنتان هما سعاد وعفاف، وصبيان هما طاهر ومحمد:- أنا عارفة إنك ما بتحبش البنات... بس لو ربنا إدانا بنت هتزعل؟- إنت فاهمة غلط، مين قال إني ما بحبش البنات؟ وبعدين اللي أنا بعمله مع سعاد وعفاف مش كره. ده حزم وحب زيادة. لأن البنت لازم تتربى كويس... وكمان أنا معنديش فرق بين ولد وبنت... الكل لازم يتربى.- بس تعرف يا باشمهندس أنا حاسة إنها هتكون بنت إن شاء الله.- بنت ولد كل اللى يجيبه ربنا جميل. المهم إنهم يتربوا كويس وكمان تقومي إنت بالسلامة.- طب لو ولد هتسميه إيه؟يصمت المهندس كمال ثم ينظر إلى زوجته:- كل سنة وإنت طيبة. كلها كام يوم ويهل المولد النبوى الشريف ومفيش أجمل من اسمه وسيرته.- بس إنت عندك محمد، ربنا يخليه، يبقى نسميه أحمد على اسمك.ثم يبتسم ويقول:- ولو بنت نسميها فاطمة.تبتسم الأم وتنظر إلى سقف الحجرة:- الله... اسم جميل، فاطمة، يعني فتوش بالتركي.يضحك الأب:- فتوش فتوش... بس من غير عرق تركي!من فتوش إلى رياتذكّرت الفنانة شادية اسم «فتوش» عندما نادتها به الفنانة سهير البابلي مداعبة إياها أثناء إلقائها عليها تحية المساء في حجرتها بمسرح الفنانين المتّحدين وقبل لحظات من رفع الستار عن المسرحية الأولى والأخيرة في حياتها الفنية «ريا وسكينة» التي كانت مغامرة محسوبة كمغامرات عدة خاضتها عبر رحلتها الفنية الطويلة والتي كلّلت جميعها بالنجاح.كانت شادية كعادتها أول من يصل إلى المسرح، تدخل حجرتها، تختلي بعض الوقت بنفسها، تستحضر الشخصية التي كانت مفاجأة للجميع بمن فيهم هي نفسها، عندما اختارها المخرج حسين كمال لتجسّد شخصية «ريا» أمام سهير البابلي في دور «سكينة»، هاتان الشخصيتان اللتان كانتا ولا تزالان الأشهر في عالم الجريمة خلال القرن العشرين، وربما الحادي والعشرين.لم يكن المشهد من فيلم «عفريت مراتي» لشادية وصلاح ذو الفقار، يستغرق سوى دقائق معدودة، غير أنه كان الخيط الذي التقطه المخرج المتميز حسين كمال، وكان دافعه الى ترشيح ملكة الرومنسية المتوّجة شادية، في شخصية كانت ولا تزال مثالاً للشر والجريمة: زوجة مصابة بمرض «الفصام» ما إن تشاهد فيلماً سينمائياً حتى يبدأ عقلها الباطن في تقمّص الشخصية التي شاهدتها، وكان أحد الأفلام التي شاهدتها على شاشة دار العرض المقابلة لمنزل الزوجية، «ريا وسكينة» للمخرج الكبير صلاح أبو سيف، وما إن خرجت حتى بدأ عقلها الباطن يعمل على دور «ريا» تحديداً، شقيقة «سكينة». جسّدت شاديا الشخصية بشكل كوميدي لافت، ربما في وقت لم يتعد الخمس دقائق على الشاشة.لهذا السبب ولقوة حضورها وخفة ظلها، وشقاوتها التي تتناسب كثيراً مع المسرح، الذي حُرم من وقوفها على خشبته إلا مرة واحدة، ولتميزها كممثلة تخطف الأبصار ولأسباب أخرى عدة، اختار حسين كمال شاديا لتكون «ريا» أمام ملكة المسرح سهير البابلي في دور «سكينة»، مع القدير عبد المنعم مدبولي في دور «حسب الله» زوج «ريا» والفنان حمدي أحمد في دور «عبد العال» زوج «سكينة»، غير أنها كانت خائفة ومتردّدة:- إيه... مسرح ودلوقتي... إنت بتقول إيه يا حسين وإزاي؟- أنا المسؤول... ولا إنت خلاص مابقتيش توثقي في حسين كمال؟- إنت عارف يا حسين أنا ثقتي فيك ملهاش حدود وعارفة قدراتك كمخرج... بس أنا عمري ما وقفت على المسرح طول تاريخي إلا للغنا... تيجي دلوقتي وتقول لي أمثل للمسرح... لأ وإيه ريا وسكينة كوميدي... إزاي بس؟ وبعدين أنا عرفت أن شويكار كانت مرشحة للدور. شويكار أفضل للدور ده... وكمان فنانة مسرح وأنا مقدرش أعمل دور مرشحة له زميلة قبلي؟!- ياحبيبتي شويكار اعتذرت عن الدور من غير زعل لأنها مشغولة ومش هتعمل مسرح دلوقتي وتقدري تكلميها. ثانيا إنت مش هتخسري حاجة. هبعتلك الفصل الأول اللى خلصه بهجت قمر. إقرئيه ولو عجبك ملكيش دعوة بالباقي، أنا المسؤول.- القراءة مش مشكلة، لكن مش معناها إني موافقة إلا لما أشوف بقية المسرحية بعدها أفكر.- سيبي التفكير عليا. أنا براهن بتاريخي ومستقبلي كمخرج على المسرحية دي.- خلينا نشوف ياحسين وربنا يعمل ما فيه الخير.البقية الحلقة المقبلة |
| |
|
شادية... قمرٌ لا يغيب (2)
مرعوبة من المرض والوحدة وتفكّر في الاعتزال
القاهرة - ماهر زهدي
لم تكن شادية تتصوّر أنها ستقف يوماً على خشبة المسرح، كممثلة وليس كمطربة، وأمام من؟ أمام عملاقَي المسرح عبد المنعم مدبولي وسهير البابلي. لم تستطع مقاومة النص الذي كتبه بهجت قمر، كذلك لم تستطع مواجهة إلحاح حسين كمال ووعده لها بنجاح غير مسبوق، فلم يكن أمامها سوى الموافقة أمام حصار كمال وقمر ومعهما المنتج سمير خفاجي والبابلي ومدبولي.
بهذه التوليفة غير المسبوقة نجحت مسرحية {ريا وسكينة} نجاحاً غير مسبوق، لكن شادية أصابها الرعب بعد الأيام الأولى من عرض المسرحية، بسبب ضعف الإقبال عليها، الأمر الذي أوقعها في حيرة شديدة لمعرفة السبب وراء ذلك، فضمانات النجاح كافة متوافرة: نص متماسك وجيد جداً يقدّم رؤية مختلفة لرواية {ريا وسكينة} لم تبتعد عن السيناريو الذي كتبه للسينما الكاتب الكبير نجيب محفوظ، وإن كان يقدّم وجهة نظر تلتمس عذراً لإقدام {ريا وسكينة} على جرائمهما، فضلاً عن مخرج متميّز جداً، قدم أنجح الأعمال الاستعراضية في تاريخ السينما المصرية، ونجوم رفعوا اسم المسرح الكوميدي في مصر عالياً، وإنتاج متميّز قدّم أفضل الأعمال المسرحية للقطاع الخاص. إذاً، المعادلة كلّها متكاملة باستثناء أمر واحد هو وجود شادية، ما جعلها تشكّ في نفسها باعتبارها الجديدة الوحيدة على المسرح:
• يبقى العيب فيّ أنا. أنا الوحيدة الجديدة في الفرقة على المسرح. أنا قولت لك يا حسين بلاش أنا في المسرح!
• يا حبيبتي الكلام ده مش صحيح. المسرحية متكاملة وإنت بنفسك بتشوفي كمية الضحك كل يوم من الجمهور.
• قصدك الكام واحد اللي بيحضروا كل يوم. دول بتسميهم جمهور؟
• أنا موافقك يا حبيبتي. بس أنا بحثت لحد ما عرفت السبب.
• قول لي عليه الله يخليك.
• من الآخر، الناس مش مصدقة إن شادية بتعمل مسرح.
• يعني إيه... مش فاهمة؟
• يا حبيبتي محدش يعرف إن النجمة الكبيرة شادية بتشتغل مسرح، والجمهور اللى بتشوفيه كل يوم ده من الناس اللي بييجوا وبيقولوا لبعض ومن معارفنا وأصدقائنا.
• على كده لازم نشتغل بقى خمس سنين علشان الجمهور يعرف إن شادية بتعمل مسرح!
• مش صحيح... يا حبيبتي كلها أسبوع واحد بس وهتشوفي النتيجة.
• أزاي يعني؟ هاتجيب ساحر يسحرلك جمهور ويملا الصالة؟
• لا يا حبيبتي... إحنا اللي هنروح للساحر... وأنا خلاص اتفقت مع سمير خفاجي وهيحصل من الأسبوع اللي جاي.
• إيه الكلام ده؟ وهو إيه اللي هيحصل من الأسبوع اللي جاي أنا مش فاهمة حاجة من الألغاز اللي إنت بتقولها؟
• بصي يا ستي، أنا من بكره هييجي التليفزيون يصور إعلاناً عن المسرحية وهيتعرض بعد أسبوع في التليفزيون.
• فكرة مدهشة. كانت غايبة عننا إزاي دي؟!
• ده بالعافية لما سمير خفاجي وافق.
• بس أنا عارفة إن سمير مش بخيل وبيصرف على شغله!
• ده مش بخل. بس هو بيقول إنه عمره ما عمل إعلان في التليفزيون عن أي مسرحية للفرقة... لكن أنا فهمته إن الوضع هنا مختلف لأن الناس مش عارفة إن حبيبتي شادية بتمثل مسرح.
بعد الإعلان الأول للمسرحية في التلفزيون، تهافت الجمهور على مسرح الفنانين المتّحدين لمشاهدة شادية للمرة الأولى على خشبة المسرح، فحقّقت المسرحية إيرادات لم تتحقّق لفرقة سابقاً، ربما منذ المسرحية الأشهر {مدرسة المشاغبين}. نجحت {ريا وسكينة}على رغم أن مسرحية {شاهد ماشفش حاجة} للنجم عادل إمام كانت لا تزال تُعرض على المسرح. فلم يستطع الجميع بمن فيهم البابلي ومدبولي، إنكار أن سبب نجاح المسرحية الأول يعود الى وجود شادية، التي جعلت من المسرحية حالة تمثيلية استعراضية غنائية، غير مسبوقة، لدرجة أن الفرقة لم تكن تريد غلق أبواب المسرح حتى في يوم الإجازة الأسبوعية، بل وكانت تعلّق آمالاً كبيرة على الاستمرار لسنوات مقبلة عدة، الأمر الذي جعل أجر شادية يرتفع للمرة الأولى إلى 80 ألف جنيه في الشهر، وهذا رقم لم يسبقها إليه أحد آنذاك، وقد تحقّق بسبب إيرادات المسرحية العالية، ما جعل وجود شادية على الساحة الفنية يأخذ شكلاً جديداً في رحلتها الفنية، في بداية الثمانينيات من القرن العشرين، وتحديداً في العام 1983.
آنذاك بدأت نجومية جيل شادية من النجوم تتراجع أما الأجيال الجديدة من الممثلين، إذ صعد نجم {مدرسة المشاغبين}عادل إمام وتصدّرت أعماله المسرحية والسينمائية الساحة الفنية، مع سعيد صالح ويونس شلبي، ومجموعة جديدة من نجوم الشباك، فضلاً عن تصدّر أفيشات السينما صور جيل جديد من نجمات الشباك: نبيلة عبيد، نادية الجندي، ميرفت أمين، وغيرهن من نجمات جيل الثمانينيات، إلا أن نجم شادية كان في صعود متواصل، لدرجة أنها تقاضت أعلى أجر في مصر والوطن العربي عن الفيلم الذي عرضه عليها المخرج أشرف فهمي {لا تسألني من أنا}، إذ بلغ 50 ألف جنيه مصري.
قدّمت شادية الفيلم وتصدّر اسمها الأفيش، وأتى في ترتيب الأسماء بعدها عدد كبير من النجوم الشباب: يسرا، إلهام شاهين، فاروق الفيشاوي، هشام سليم، وغيرهم، بالإضافة إلى نجمة الزمن الجميل الفنانة الكبيرة مديحة يسري، لتكون المرة الأولى التي تؤدي فيها شادية دور {الأم}، أمّ لكل هذا العدد من النجوم والنجمات الشباب، الذين راحوا جميعاً ينادونها أيضاً خلف الكاميرا وبعيداً عن التصوير: {ماما شوشو}.
أضاء اسم شادية وصورتها أفيشات الفيلم والمسرحية في الوقت نفسه، ما جعلها تعيش حالة من النشوة والانتصار. لكن بقدر ما أسعدها هذا النجاح الذي وضعها في مكانة ونجومية خاصّتين، بقدر ما أثار في داخلها أحاسيس لم تكن تشعر بها سابقاً. لم تكن تلك أحاسيس الأمومة التي حرمها منها القدر، إذ كانت تعوّضها من خلال أولاد أشقائها، بل كانت أحاسيس خاصة بالفنانة والنجمة، أحاسيس تشعر بها للمرة الأولى عندما وقفت أمام الكاميرا لتجسّد دور الأم على شاشة السينما، ليس أماً لطفل كما كانت تفعل في كثير من أفلامها السابقة، بل أم لفنانين كبار في سن الشباب، الأمر الذي راح يدق في داخلها ناقوس الخطر، فما إن كانت تختلي بنفسها حتى يقفز ما يدور في عقلها إلى لسانها:
• النهارده جالي دور الأم وأنا بحتمي بنجومية كبيرة. لكن ممكن، لا ده أكيد بكره هيتعرض عليا دور {الأم}بس ساعاتها ممكن أكون من غير نجومية!
ظلّ هذا الهاجس في داخلها ولم تبح به لأحد، ظل يدور في عقلها ويضيق به صدرها، تخفيه خلف ملامح السعادة المرسومة على وجهها وفرحة النجاح التي تعيشها، حتى جاءت لحظة صفاء شعرت فيها أن الكلمات لم تغادرها على رغم أنها خرجت من فمها إلى أذن إحدى صديقاتها المقرّبات، إذ باحت بهذه الهواجس في حوار جريء أجرته معها الكاتبة حُسن شاه التي سألتها سؤالاً تقليدياً عابراً، ربما اعتادت غالبية الصحافيين توجيهه الى النجوم والنجمات في اللقاءات التي يجرونها معهم. غير أن حُسن شاه بعد أن سمعت الإجابة من شادية تمنت لو أنها لم تسألها هذا السؤال:
• كيف تفكّر شادية للمرحلة المقبلة؟
صمتت شادية قليلاً ثم ابتسمت وهي تتوقع رد فعل ما ستقوله على الكاتبة حُسن شاه:
• بفكر إني ماكونش موجودة في المرحلة اللي جاية!
• مش فاهمة تقصدي إيه هتسافري؟
• مش هتصدقي لو قولت لك بفكر في الاعتزال!!
سألتها حُسن شاه وهي تتوجس خيفةً من التالي على لسانها:
• طبعاً ده هزار؟
فهزّت شادية رأسها بابتسامة أظهرت من خلالها حزناً دفيناً وعينين تلمعان، ما أكد التصريح الذي قالته لحسن شاه التي لم تخفِ دهشتها:
• مش ممكن. كلام إيه ده؟ اعتزال وأنت في عز المجد ده كله. مسرحية مكسرة الدنيا وناجحة نجاح محصلش قبل كده. وفيلم محقق أكبر إيرادات وتقولي لي أعتزل... إزاي الكلام ده؟!
• أنا بقولك بفكر مش بعلن اعتزالي دلوقت.
• طالما بتفكري تبقى الفكرة واردة. يبقى ليه وإنت في عز مجدك؟!
• علشان أنا في عز مجدي بفكر في الاعتزال. مش عايزه استنى لحد ما تهجرني الأضواء بعد ما تبعد عني شوية بشوية... مش عايزه أقوم بدور الأمهات العجائز في الأفلام الفترة اللي جاية بعد ما اتعود الناس يشوفوني في دور البطلة الشابة... محبّش الناس تشوف التجاعيد في وشي، ويقارنوا بين صورة الشابة اللي عرفوها والعجوز اللي هيشوفوها بعد كده، عايزه الناس يفضلوا محتفظين بأجمل صورة ليا عندهم، علشان كده مش عايزه استنى لحد الأضواء هي اللي تبعد عني... عايزه أنا اللي أبعد عنها وأهجرها في الوقت المناسب قبل ما تهتز صورتي فى خيال الناس.
• بس ياشوشو إنت لسه في عز شبابك وجميلة وقادرة على العطاء سنوات كتيرة جاية... ده أنت لسه بتقولي ياهادي في المسرح. وأكيد لسه فيه أعمال جاية كتير وكمان نجاحات كتير.
• صدقيني أنا خايفة من بكره... خايفة جدا من الوحدة... خايفة ألاقي نفسي في يوم وليلة من غير قلب يعطف عليّ. ألاقي نفسي ست وحيدة بلا ابن أو ابنة. صدقيني صورة الست العجوز الوحيدة اللي من غير حد دايما بتطاردني وبتملاني رعب!
• أنا مش هكتب الكلام ده في الحوار. هعتبره دردشة وفضفضة بين اتنين أصدقاء.
انتهى اللقاء ونسيت حُسن شاه ما قالته شادية، أو اعتبرته كما قالت {فضفضة بين اتنين من الأصدقاء}، غير أن شادية لم تنسه، لكنها لم تخرجه لأي من المحيطين بها. كانت تؤمن بأنها مصدر سعادة للآخرين ولكل من حولها، فلا بد أن تظل هكذا طوال الوقت، كي لا تكون ولو للحظة مصدر شقاء أو قلق لأحدهم، خصوصا أولاد أشقائها وقبلهم ست الحبايب.
نجاح وألم
تجاهلت شادية أو حاولت تجاهل تلك الهواجس التي تدور بداخلها، وراحت تعيش النجاح، بل نشوة الانتصار على خشبة المسرح. نعم، فقد انتصرت على هذا الشبح الذي يرعب كبار النجوم، بمن فيهم النجوم الذين يصفونهم بأنهم {ولدوا على خشبة المسرح}، فكانت تصول وتجول كأنها واحدة منهم. على رغم ذلك لم تشأ أن تُشعر كلّ من حولها بأنها نجمة العرض، بل اعترفت بفضلهم في وقوفها على خشبة المسرح، سواء الفنانة سهير البابلي، أو عبد المنعم مدبولي، أو الفنان حمدي أحمد، قبل أن يُستبدل بالفنان الشاب أحمد بدير، الذي ساندته بقوة ولم تشعره بالفارق في حجم النجوم، وكان مثله مثل بقية نجوم العرض، عندما أصرت شادية على أن يشاركها الجميع في الأغاني التي تقدّمها في المسرحية على رغم إصرار المنتج سمير خفاجي على أن تغنّي بمفردها، وموافقة حسين كمال على ذلك:
• أيوه بس الناس لما تيجي مسرحية بتقوم ببطولتها شادية هيبقوا عايزين كمان يسمعوا المطربة شادية.
• الناس ممكن تسمع شادية في أي مكان بره المسرح ده: في الإذاعة في شريط كاسيت أو حتى في حفلة. لكن هنا أنا ممثلة مسرح.
• والمسرحية فيها أغاني مش هانخترعها مخصوص.
• طالما الأغاني مكتوبة للمسرحية مش لشادية يبقى كل أبطال المسرحية يشاركوا فيها.
• كل أبطال المسرحية! طب مدبولي ممكن أهو بيأدي حلو وممكن. لكن الباقين... إزاي؟!
• إزاي دي بقى اللي يقولها بليغ حمدي مش أنا!
غنت شادية وسهير البابلي، ومعهما عبد المنعم مدبولي وأحمد بدير، ومثّلت كما لم تمثل سابقاً، وأضحكت الجمهور من قلبها. فنجحت المسرحية وحققت إيرادات لم تتحقق للفرقة سابقاً، حتى أن المنتج سمير خفاجي، وفريق المسرحية كلّه، كان يمني نفسه بسنوات نجاح مقبلة، ولكن تأتي الرياح غالباً بما لا تشتهي السفن، وحدث ما لم يتوقّعه الجميع، بمن فيهم شادية نفسها، عندما اشتدت عليها الآلام التي كانت تداهمها منذ فترة وكانت تحاول إقناع نفسها بعدم الخوف أو إدخال الشك إلى قلبها، لدرجة أنها في ذلك اليوم لم تعد تستطيع إخفاء هذه الآلام عن زملائها في المسرح، وتحديداً سهير البابلي التي لم تكن تدخل إلى حجرتها في المسرح قبل أن تمر على شادية، التي كانت أول من يصل إلى المسرح يومياً:
• شوشو حبيبة قلبي. الله الجميل ماله؟
• أهلا يا سهير... تعالي.
• سهير... من غير دلع؟ أنا أتعودت على كلمة {سوسكا}بتخرج من بقك كأنها أغنية.
• أنا تعبانة قوي يا سهير.
بقلق وخوف ظاهر قالت سهير:
• إيه يا شادية فيه إيه مالك؟
• حاسة أني هموت من الألم والرعب.
• بعد الشر حاسة بأيه؟
وقد أشارت إلى صدرها:
• فيه سكاكين بتقطع هنا!
• إيه... بتقولي فين؟!
حاولت سهير البابلي أن تأخذ تفكير شادية في اتجاه آخر بعيداً عن أوهام المرض اللعين، ويبدو أن شادية كانت مهيأة لذلك، أو لنقل إنها كانت تتمنى ذلك بينها وبين نفسها، ما جعلها تستسلم لنفي البابلي. وساعدها في ذلك النجاح الذي كانت تحققه يوماً بعد يوم على خشبة المسرح، وكمية التصفيق التي كانت تستقبلها في الدخول والخروج. فعلى رغم الألم الذي كان يعتصر صدرها يومياً، إلا أن شادية كانت صاحبة أطول فترة من تصفيق الجمهور على خشبة المسرح كل ليلة. تضحك فتضج صالة العرض بالضحك، تتحدث فينتبه الجمهور ليستمع إلى همساتها، تغني فينصت الجميع بمن فيهم الزملاء الممثلون ليستمتعوا بالصوت الشجي، بل وبالأداء الراقي الصافي غير المفتعل، حتى ولو كانت شخصية القاتلة {ريا} تستدعي ذلك. لكنه لم يحدث، لأن صاحبة الشخصية أبعد ما تكون عن الافتعال.
كان الإحساس بالخوف لدى شادية يغلب على إحساسها بالألم. لعبت الهواجس برأسها، لم تشأ في البداية أن تزعج من حولها، غير أن معرفة كل المحيطين بشخصيتها بعيداً عن الكاميرات أو مواجهة الجمهور على المسرح، للغناء أو التمثيل، تجعلهم يتساءلون عند ملاحظة أي تغير ولو بسيط فيها.
آنذاك، لم تكن شادية تستطيع السيطرة على الألم ولا على الرعب من المجهول الذي قد ينتظرها خلف هذا الصدر الذي لم يعرف يوماً حقداً أو غلاً أو سوءاً لأحد، وما إن شعرت بها سهير البابلي وقد تغيّرت ملامح وجهها البريئة وأصبح الحزن يكسوها حتى راحت تطمئنها وتهدّئ من روعها:
• يا حبيبتي ممكن يكون برد. ده مش ممكن ده أكيد برد.
• البرد مش كده يا سهير. دي مش أول مرة. وبعدين البرد مش ممكن يستمر الفترة دي كلها... أنا حاسة بيه من فترة طويلة وبكدب نفسي. وبيني وبينك خايفة. لا خايفة ده إيه أنا مرعوبة من فكرة إني أروح لدكتور ويقوللي عندك...
وضعت البابلي يدها على فم شادية لتسكتها:
• إخص عليكي. أوعي تنطقيها. إن شاء الله خير وربنا مش ممكن يتخلى عنك أبدا. بس علشان تطمني لازم دكتور يشوفك.
أدمعت عينا شادية فأخذتها البابلي في أحضانها. لم تشعر شادية بمثل هذا الإحساس سابقاً، لم تكن خائفة على نجومية أو مجد، لم تكن تخشى الموت، غير أنها كانت تشعر طوال الوقت أنها موجودة لأجل آخرين، هؤلاء الآخرون الذين تعيش من أجلهم ولهم، تنجح لهم، وتبحث عن السعادة لإسعادهم، وغيابها قد يكون له عظيم الأثر على حياتهم.
كانت تلك هواجسها، وكان ذلك خوفها بل وتردّدها في أن تعرض نفسها على أحد الأطباء خوفاً من أن يخرج لها {العفريت} الذي تخشى منه، أن يصارحها الطبيب بأن شكوكها صحيحة. وفي الوقت نفسه، كانت تخشى إذا ما تأخرت في ذلك أن يكون الوقت قد فات!
حيرة وقلق ودموع كانت تختلط يومياً بالنجاح والفرح والابتسامات. مزيج من المشاعر الإنسانية لم تمر بها شادية سابقاً، فترة من أصعب فترات حياتها، ربما كان اختباراً، اختبار صعب، بل هو الأصعب في حياتها كلّها وقد يكون علامة فارقة فيها... ما مضى... وما قد يأتي.
سهير البابلي وشادية فى {ريا وسكينة}
المنتج سمير خفاجة