المصدر: مجلة نصف الدنيا
بقلم الشاعر الغنائي مصطفي الضمراني
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]الفنانة الكبيرة شادية ـ عاشقة مصر تري وهذه وجهة نظرها أن مصر أعطتها كل هذه الشهرة والمجد الغنائي وفتحت
لها كل أبواب النجاح وأصبح دينا عليها أن ترد لها ولو واحدا في المئة من هذا الجميل والدين الكبير، وجاءت
حرب أكتوبر 73 وحقق فيها الجيش المصري أكبر انتصار في تاريخ العسكرية المصرية ووجدت من واجبها أن
تهدي لمصر عملا فنيا غنائيا يعبر عن هذا الحدث العظيم بحيث تتولي بنفسها تكلفة إنتاجه من الألف إلي الياء ولا
تطلب مليما واحدا لا من الإذاعة أو التليفزيون أو أي جهة إنتاجية أخري فالتغني بحب مصر ليس مناسبة للكسب
أوالتجارة التي لها مجال آخر في أغنيات أخري غير أغنيات الوطن وهو مبدأ أصرت شادية علي تنفيذه ليكون هذا
العمل هديتها المجانية لمصر في أعظم مناسباتها الوطنية، وعرضت الفكرة علي صديقها الموسيقار صلاح عرام قائد
الفرقة الذهبية الموسيقية وعلمت شادية أن أحد أعضاء هذه الفرقة هو الفنان عمار الشريعي الذي ظهرت عليه
إرهاصات التلحين وأقنع صلاح شادية بتشجيع عمار علي تلحين أغنية عن نصر أكتوبر يكون مؤلفها كانب هذه
السطور الذي كان موجودا بالمصادفة في معهد الموسيقي العربية وكانت شادية بصدد الانتهاء من بروفة لإحدي
أغنياتها العاطفية ورحبت شادية بالشاعر والملحن اللذين جلسا معها بعد انتهاء البروفة وكلفتهما بإعداد هذه الأغنية
في أقرب فرصة، وخرج عمار والمؤلف وهما في غاية الفرحة والحماس بهذا التكليف وذهبا معا لبيت عمار في
الجيزة وأمضيا معا بعض الوقت وعاد المؤلف إلي بيته ليلتقيا بعد ثلاثة أيام يكون المؤلف قد كتب الأغنية وفي مساء
اليوم الثاني كان قد انتهي من كتابتها وقرأ دخول الأغنية لعمار الذي قرأه أيضا للفنانة شادية التي انبهرت به وبفكرة
الأغنية وهي أغنية أقوي من الزمان، وكانت شكلا جديدا في تركيبتها بعيدا عن نظام الأغنية التقليدي الذي يعتمد
علي المذهب والكوبليهات والمرجعات ولكنها أغنية مرسلة تعزفها الفرقة الموسيقية وتغنيها المطربة من أول دخول
الأغنية بلا توقف حتي آخر سطر فيها وهو اتجاه جديد علي الفنانة شادية أيضا والذي تحمست له وساندها في ذلك
الموسيقار صلاح عرام، واستمعت إلي الأغنية كاملة علي شريط مسجل بصوت عمار علي آلة العود وطارت فرحة
باللحن والكلمات وبدأت تردده في بيتها علي نيل الجيزة وتقول هذه الدخول:
لما كنا صغيرين. كان لينا مكان صغير. دايما تقابلني فيه
لما كنا صغيرين كان لينا حلم أخضر. في قلوبنا عشنا بيه
فاكره يا حبيبي فاكره. فاكر زهر البنفسج. فاكره ضل الشجر
فاكره لمسة ايديك. وحنان نظرة عينيك
أيام ماكنا نسهر. نتونس بالقمر
يضحك لنا. القمر . ونغني مع القمر
واتغير الزمان. اتغير الزمان
اتبدل المكان. اتبدل المكان
لكن يا مصر انتي جميلة زي ما انتي. وأصيلة زي ماانتي
وان خدعتني الأماني. أوضاع حبي في ثواني
أرجع لك انتي تاني. يا صاحبة المكان. يا أقوي من الزمان
وبدأت الفنانة شادية إجراءات تسجيل الأغنية في أحد الاستديوهات الخاصة وتحديد موعد البروفات التي بلغ عددها
15 بروفة مع الفرقة الموسيقية التي يبلغ عدد أفرادها ثلاثين عازفا كانت شادية تدفع أجورهم كاملة بعد انتهاء كل
بروفة، كما دفعت من مالها الخاص أجر مهندس الصوت الذي رافقها طول فترة البروفات والتسجيل كما دفعت
أيضا ثمن الأشرطة التي تم تسجيل الأغنية عليها وازاء هذا الموقف الوطني لم يكن أمام الملحن الموسيقار عمار
الشريعي والمؤلف كاتب هذه السطور سوي التبرع بأجورهما أيضا متضامنين مع الفنانة شادية التي أهدت الأغنية
لجميع محطات الإذاعة مجانا في مناسبة أكتوبر كما أهدتها للتليفزيون.
وقام المخرج الراحل فتحي عبدالستار ـ رحمه الله بإخراج هذه الأغنية دون أن يتقاضي أي أجر أيضا لتصبح هذه
الأغنية من أشهر أغانيها عن أكتوبر هدية منها لجيش مصر الباسل الذي حقق هذا الانتصار العظيم وهو كما تقول
أقل واجب يمكن أن تقدمه فنانة مصر في هذه المناسبة العظيمة.
وجاء اليوم لتغني فيه شادية هذه الأغنية وبدأت بروفاتها دون توقف وخشيت أن يقاطعها الجمهور في منتصفها
فينقطع تسلسل الكلمات واللحن وطلبت من الملحن وقائد الفرقة عدم التوقف أثناء الغناء والإسراع بالانتقال من جملة
إلي جملة دون أن تترك للجمهور فرصة التصفيق وطلب الإعادة والتهليل كما يحدث في الأغنيات الأخري، وبعد
أكثر من خمس بروفات دفعت أجرها بالكامل لأعضاء الفرقة ترددت شادية في تقديمها أمام الجمهور خشية الارتباك
في الأداء ولكن عمار وصلاح عرام اتفقا مع مذيع الحفل أن يطلب من الجمهور عدم المقاطعة موضحا أن هذه
الأغنية لها نظام خاص وليست ككل الأغنيات التقليدية التي تتكون من مذهب وكوبليهات ووقفت ـ شادية وهي في
قمة اطمئنانها ووثوقها في مراعاة الجمهور لنظام الأغنية ورغم محاولة الجمهور التصفيق مع أول جملة موسيقية في
الأغنية أبدعها عمار الشريعي وكانت غريبة علي المستمع وفي قمة الإبهار ولكن الجمهور استمع واقتنع ووافق علي
طلب المذيع وحبس إعجابه بالغناء واللحن والكلمات لآخر جملة في الأغنية التي تقول وكل شيء يتغير. واحنا نكبر
ونكبر وحتي قفلة الأغنية ليطلب الجمهور بعد ذلك الإعادة أكثر من مرة ونجحت الأغنية هذا النجاح الكبير وأصبحت
من أجمل الأغاني الوطنية التي قدمتها شادية بالمجان وعلي نفقتها الخاصة هدية منها لجيش مصر بمناسبة نصر
أكتوبر العظيم.